يبدو العنوان قاسياً في الحديث عن كتاب قد يجتهد صاحبه فيخطئ. إلا أنه وبعد قرائتك لمقالتي سوف تتفهم وجهة نظري تماماً.

أرض الإله هي رواية لأحمد مراد تتكلم عن محاولة بني إسرائيل تزوير التاريخ المصري ودس مفاهيم وأحداث تاريخية مغايرة لما حدث بالواقع.

ولكن أي واقع ذاك الذي يروج له الكتاب؟ في الحقيقة الكتاب يروج وبشدة لعدة مفاهيم لا تستند على أي دليل تاريخي أو ديني بل وتضاد الدين بشكل صريح أحياناً في مقابل الترويج لها.

تدور أحداث الرواية حول قصة “كاي” كاهن سمنود بمعبد الأسوار السبعة الذي يقوم بترجمة برديات معلمه “الكاهن الأعظم مانيتون” الذي قتل على يد مجهول سيتبين فيما بعد بأنه ابن أخت “مردخاي” رئيس القصر اليهودي والذي سيحاول أيضاً قتل “كاي” فيما بعد ، ويستمر فى رحلة من الهرب والملاحقات من مردخاي ورجاله، الأخير الذي قام بترجمة التوراة إلى اليونانية بعد تزييفها وتحريفها كي تخدم بني إسرئيل وترفع شأنهم ثم أودعها بمكتبة الاسكندرية لذا فهو يريد الحصول على تلك البرديات وتدميرها ومنعه من ترجمتها باى ثمن، ليطمث الحقيقة ويغير من التاريخ بما يتناسب مع الفكر اليهودي وتأصيل لفكرة شعب الله المختار، وفى أتون هذا الصراع يلتقي “نادية” بنت الطبيب “عزيز” التى تصبح عشيقته فيما بعد فى سياق من الرومانسية الممتزجة بالإباحية.

فنجد أن الكتاب يدور حول فكرة أن فرعون موسى هو ملك بدوي من قبائل فلسطين من الهكسوس أحفاد قوم ثمود وهي في حد ذاتها رواية غير مرفوضة تماماً فقد ورد عن ذلك بعض الآراء وإن كانت ضعيفة من وجهة نظري. وبأن فرعون هو اسم لرجل وليس لقب الحاكم المصري في ذاك الزمان.

يحكي الكتاب بأن المصريين لم يكونو يدعون بالمصريين وإنما بالجبتيين بتعطيش الجيم. وأنهم موحدون على الملة الإدريسية ولم يكونوا كفاراً ولا مشركين. وبأن المعبود المصري أوزوريس انما هو نبي الله إدريس الذي كان المصريون فقط “يبجلونه” ويجلونه ليس إلا. وبأن حورس ورع وبقية الألهة التي كان يعبدها قدماء المصريين ماهي إلا تجسيدات لملائكة الرحمن.

ونسى الكاتب أو تناسى بأن مصطلح ايجيبت هو مصطلح يوناني في الأساس وبأن مصطلح مصر مصطلح عربي وأن مصطلح متصرايم هو مصطلح عبري وكلها ليست بأسماء لأرض الكنانة التي كان يسميها شعبها كِمت بكسر الكاف.

ونسى أيضاً أو تناسى بأن كثيراً من الأمم أرسل فيهم رسل وأنبياء كنوح وإدريس وغيرهما من الأنبياء والمرسلين والذين ضلت أقوامهم بعدهم بل وأثناء حياتهم وعبدو الأصنام والأوثان.

تتناول الرواية ثلاثة أزمان مختلفة وتبدأ بقصة عن الحاضر من داخل مبنى القنصلية الإنجليزية بالقاهرة ثم تدخل فى بعد زمني أخر وهو زمن البطالمة، ثم يتخذ ترجمة البرديات مدخل لفتح نافذة فى زمن أقدم وهو زمن موسى وفرعون مما يجعل الرواية تصنف ضمن الأدب التاريخي؛ ويقدم “مراد” هذا المزيج فى أحداث تشويقية مثيرة في قالب روائي مضفر بمزيج من الأحداث التاريخية المغلوطة والدينية المخالفة للعقيدة مع الحفاظ على إظهار الصورة السينمائية الرائعة التى تتميز بها كتاباته بشكل عام.

قدمت الرواية مخالفات تاريخية وعقدية كبيرة بل واتهمت من يخالفها بأنه منحاز للرواية المزورة من التاريخ التي قدمها اليهود حسب زعمه. دون تقديم دليل عما يدعيه فلم يرد أي دليل على ادعائات المؤلف عما حكاه سوى خيالة والحبكة الدرامية في روايته وتلك بالطبع ليست بأدلة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر:

  1. ادعت الرواية بأن سبب نجاة موسى هي ابنة فرعون المسماة “راحيل” وليست آسيا زوجة فرعون حيث ادعت بأن راحيل طلبت من أبيها العفو عن حياته لأنها رأت في منام لها بأن برصها سيشفيه لعاب رضيع سيولد ليلة الحلم تلك. وهو ما قزم دور آسيا بشكل واضح ودون ضرورة درامية إلا مخالفة السائد والذي حكاه لنا القرآن عن سيدة شهد لها رسولنا بالكمال.
  2. أيضاً قالت الرواية بموت آسيا ميتة عادية في سريرها ومعلوم لدى أهل العقيدة من المسلمين بأن فرعون عذبها ومن ثم قتلها.
  3. وكان فيما ادعته الرواية بأن عمران أبا موسى كان حاجباً لفرعون وهو ما لم يثبت في الحقيقة.
  4. بل وعزت الرواية أيضاً تلعثم موسى لسرعة غضبة وليس لأنه كانت لديه مشكلة بالنطق نتيجة احتراق لسانة وقت أن تناول الجمرات الحارة التي اختبره بها فرعون.
  5. تحكي الرواية اتحاداً بين قبائل الهكسوس التي كان منها فرعون وبني اسرائيل وبأن بني إسرائيل كانو أرذل تلك القبائل وأحقرها وبأن الصراع كان بينهم وبين فرعون حصراً ثم تقدم مغالطة منطقية في زمن البطالمة حيث تجد اليهود حاقدين على الجبتيين أو المصريين كما نسميهم. فإذا كان المصريون شأنهم شأن بنو اسرائيل من الاضطهاد والاحتلال والاستباحة والذل والظلم من فرعون وجيشة في عصر فرعون فلم قد يكره اليهود المصريين أصلاً؟ هلا توقفنا هنا قليلاً لنجيب عن ذلك السؤال بجدية؟
  6. فالرواية التاريخية المقبولة تقول بأن المصريين بقيادة فرعون كانوا في وقتها هم القوم الكافرين الظالمين وعليه كره اليهود المستضعفون حكمهم وذكراهم وهو شيء مقبول وطبيعي. لكنهما في الرواية مضطهدين على السواء فلم قد يكره مضطهد مضطهداً أخر مثله فور رفع البلاء عنهما؟
  7. زد على ذلك محاولة الرواية المستميته تبريء ساحة المصريين من الكفر والشرك والظلم بدوافع أقل ما قد يقال عنها هي أنها دوافع قومية بحتة. ولا أدري أمة من الأمم لم تضل حتى بنو اسرئيل ضلوا وضلت العرب المستعربة أحفاد اسماعيل عليه السلام وبُعت النبي محمد وقت أن بُعت في قومِ مشركين وكفار ولم نسمع عن أحد من تلك الأمم أنه أنكر ماضي أجدادة فقط لأنه يرى بأن الاعتراف بالضلال غير مناسب فيما خلا اليهود بالطبع!
  8. بل وقالت الرواية بأن فرعون لم يغرق مع جيشة وبأنه نجح في الفرار من الغرق بل ونجح بعدها في الفرار من بني اسرائيل على نفس ضفة اليم وخرج لبرية فاران حيث مسقط رأسة فمات هناك وصهر سيفة وخاتمة ودفن في مكان لا يعلمة أحد إلا القلة القليلة من شيوخ القبائل هناك كي لا يعلم بأمرهم المصريون فينتقمون منهم. يا لها من دعابة!
  9. قالت الرواية بأن يوسف عليه السلام إنما هو الملك المصري أمنحتب وفي ذلك افتراء على سلالة الأنبياء ونسبة الكفار إلى الأنبياء ويزيد على ذلك كون يوسف عليه السلام وزيراً لملك مصر وليس هو بذاته ملك مصر وقتها على خلاف أمنحتب.
  10. أيضاً قالت الرواية بقتل نبي الله يوسف ونبي الله هارون ونبي الله موسى وأنهم لم يموتو ميتة طبيعية وهو مخالف لما ورد في صحيح السنة.

فتحول أحمد مراد بتلك الرواية إلى دعي لاصطفاء المصريين دون غيرهم كشعب لله مختار لم يختلف في ذلك عن اليهود الذين ينتقدهم قيد أنملة.

إن تناسي الكاتب أحمد مراد لصحيح السنة بخصوص هذا الأمر وتجاهلة لم يكن من فراغ فأحمد مراد كما يدعي قرآني لا يؤمن بالسنة أصلاً ولا يؤيد الأخذ بها… حجة استساغها العديد من ملاحدة العصر الحديث.

وأقول ملاحدة وأنا أعني ما أقول فمن يقرأ له رواية موسم صيد الغزلان وتطاولة الفج فيها على الذات الإلهية يدرك خبل الرجل وترويجه الحثيث للإلحاد. إلحاد مقنع بقناع الأدب الروائي ليس إلا.

ولكن ما يلي ذلك هو الجنون بذاته وسوء الأدب مع الله ومع رسلة.

فقد نقل كلاماً على لسان نبي الله موسى لم يقله قط وغير مقبول أن يأتي من نبي مثل أنه أقر المصريين وقتها على بنائهم التماثيل والمعابد وبأنهم إنما يفعلون ذلك تبركاً وتقرباً من الإله.. يا للدعابة هل أصبحت حجة المشركين في كل وقت تقال الآن على لسان نبي في رواية مراد؟

بل وتفضيل موسى الدائم لأهل مصر على بني اسرائيل واعتبار أنهم أقوام أوتو الحكمة من قبلهم وآمنوا بالله ولهم أفضلية السبق على بني اسرائيل أحفاد نبي الله يعقوب وبأنهم يفعلون ما يحلو لهم. وكيف أن لبني اسرائيل أن يفهمو الحكمة التي عند المصريين حتى يتهموهم؟

ثم تجده بعدها ينهاهم عن اتخاذ العجل مثل كهنة معبد حتحور فكيف من ناحية يقر المصريين على فعل ثم ينهى قومه عنه؟

وأيضاً وصف نبي الله موسى للملائكة بشكل دقيق من أين أتى به أحمد مراد؟ هل في القرآن؟ أم في السنة التي لا يؤمن بها؟ أم هل يا ترى موجود بالتاريخ؟ أو حتى في الاسرائيليات؟

الإجابة على ذلك كله أن لا. إنما هو خيالة المريض فقط هو من سول له وصف الملائكة بشكل دقيق. وادعاء بأن بعضهم يحمل رؤوس طيور وآخرين عجول والعياذ بالله.

تصوير وثني ركيك لخلق من أفضل خلق الله قدراً.

إن أحمد مراد ومن على شاكلتة ممن يلعبون على القوميات والخرافات والتراث يهدفون بكتاباتهم لخلق حالة جدلية لبيع كتبهم الرديئة ليس أكثر وهم على ذلك في محاولات دائمة مستميته لزعزعة أصول الدين وتشكيك الشعوب في تاريخها وثقافتها.

فما يضيرنا نحن المصريين المعاصريين المستعربين أن يقال أن أجدادنا من سكان تلك البلد كانو كفاراً؟ هل يضير إبراهيم كفر أبية؟ أم هل يضير نوحاً كفر ابنه؟ أم نحن أكرم على الله منهما؟

عبثية ممتزجة بتزوير وإباحية. ذاك ملخص رأيي الشخصي في تلك الرواية. وأنت ماذا ترى يا صديقي؟

Categorized in:

Book Reviews,

Last Update: 31/03/2024